مقدمة

في ظل تطور العلوم الطبية والتقنيات الجراحية، تبرز الأخطاء الطبية كإحدى التحديات الجسيمة التي تهدد سلامة المرضى وتعرضهم لخطر الإصابات الدائمة أو المضاعفات الخطيرة. في هذا السياق، تأتي قضية رقم 2018/423 التي نظرتها محكمة التمييز في دبي لتسلط الضوء على قضية مسؤولية طبية في جراحات العيون، حيث تتشابك خيوط الأحداث بين دفاتر المحاكم وقاعات العمليات الجراحية، لتروي قصة معاناة مريض ومسار عدالة طال انتظاره.

تسلسل الأحداث

في أحد أيام نوفمبر لعام 2014، توجه المريض - وهو مهندس ومدير مشاريع يعتمد في عمله على دقة الرؤية - إلى المركز الطبي الطاعن الثاني شاكيًا من ضبابية الرؤية، ليجد نفسه بعد عملية جراحية في العين اليمنى أجراها الطاعن الأول، يفقد الرؤية فيها كليًا. وما كان من المريض إلا أن طرق أبواب عيادات أخرى بحثًا عن حل، ليكتشف الأخطاء الجسيمة التي رافقت العملية الأولى، والتي زادت من معاناته.

رحلة البحث عن العدالة

لم يكن أمام المهندس المتضرر سوى اللجوء إلى القضاء، مطالبًا بتعويض يعيد له بعضًا من حقوقه المادية والمعنوية التي طالها الضرر. وبتاريخ 29 أبريل 2018، أصدرت المحكمة حكمها الابتدائي بإلزام الطاعنين بدفع 300,000 درهم إماراتي والفائدة القانونية، وهو الحكم الذي أيدته المحكمة بتاريخ 19 سبتمبر 2018.

الاستئناف والتمييز

لم تكد تهدأ أصداء الحكم الابتدائي حتى انبرى الطاعنون للاستئناف، محاولين دحض الأدلة والحجج التي أوردتها المحكمة. ومع ذلك، استقر القضاء على رأيه، مؤكدًا على سلامة الإجراءات والأحكام السابقة. 

الدروس المستفادة تعد هذه القضية بمثابة رسالة قوية إلى المجتمع الطبي، تؤكد على ضرورة الالتزام بأعلى معايير الرعاية الصحية وتحمل المسؤولية عن الأخطاء. كما تبرز أهمية الشفافية والمساءلة في ممارسة الطب، وتعزز من ثقة المرضى في نظام الرعاية الصحية والقضائية 

اراء الخبراء 

أحمد صابر - رئيس قسم التقاضي يشير أحمد صابر إلى أن هذه القضية تسلط الضوء على التحديات القانونية التي تواجه المرضى الذين يتعرضون لأخطاء طبية. يقول: "من الضروري أن نتعامل مع حالات المسؤولية الطبية بشكل جدي ومهني، حيث يجب أن يكون القانون داعمًا للمرضى ويحمي حقوقهم. يجب على الأطباء والمؤسسات الطبية الالتزام بأعلى معايير الجودة والسلامة لتجنب وقوع مثل هذه الحوادث

ندى الماوى إن قضية المسؤولية الطبية تعكس تحديات كبيرة تواجهها المؤسسات الطبية والأطباء في العمل اليومي. من المهم أن نفهم أن الأخطاء الطبية يمكن أن تحدث في أي وقت، ولكن الأمر المهم هو كيفية التعامل معها بشكل صحيح. يجب على الأطباء أن يكونوا مستعدين للاعتراف بالأخطاء عندما تحدث وأن يتعلموا منها لتجنب تكرارها في المستقبل. على المؤسسات الطبية أن تقدم دعمًا كافيًا للمرضى المتضررين وتعمل على تقديم تعويض عادل إذا كانت الأخطاء نتيجة للإهمال أو عدم الالتزام بالمعايير الطبية. الهدف النهائي هو تحقيق العدالة وتقديم أفضل الخدمات الصحية للمرضى

الختام

تقدم قضية محكمة التمييز في دبي مثالاً حياً على أهمية العدالة في مجال المسؤولية الطبية. فالحكم الذي صدر لم يكن مجرد تعويض مادي للمتضرر، بل كان حجر أساس في ترسيخ مبادئ العدالة وإعادة الثقة للأفراد في النظام الطبي والقانوني. ومن خلال هذه القضية، تتجلى الرسالة بوضوح: الأخطاء الطبية ليست مجرد حوادث عرضية، بل هي مسائل يجب أن تُعالج بكل جدية لضمان حقوق الإنسان في الحياة والسلامة