مقدمة

في تاريخ 10-04-2004، أصدرت محكمة التمييز بدبي حكمًا قضائيًا مهمًا في الطعنين رقم 2003/106 و2003/108، اللذين تم تقديمهما خلال الفترة القانونية واستوفيا كافة المتطلبات الشكلية. 

تتمثل الوقائع في أن أحد الأشخاص رفع دعوى قضائية ضد مجمع طبي وطبيبة بشأن عملية ختان تمت لطفله. الأب، الذي قام برفع الدعوى، طالب تعويضًا بمبلغ ثلاثة ملايين درهم تعويضًا عن الأضرار المادية والأدبية والمعنوية والنفسية التي تعرض لها طفله وعائلته بسبب هذه العملية. 

وفي تفصيل الوقائع، يبدو أن الوالدين لاحظوا بعد إجراء عملية الختان أن ولدهما كان في حالة غير طبيعية أثناء التبول، مع وجود مشكلة في خروج البول 

الدعوى القضائية

وبعد تقديم الدعوى والمرافعات، انكبت المحكمة على دراسة الوقائع والأدلة المقدمة. ومن المعلومات الأولية التي تم استخراجها من الملف، يظهر أن الأب قد قام بتقديم أدلة وشهادات طبية تثبت حدوث مشكلة للطفل بعد إجراء عملية الختان. 

المحكمة كانت أمامها مهمة تحديد مدى المسؤولية الطبيبة والمجمع الطبي في ما حدث للطفل. وكان من الضروري التأكد من ما إذا كانت الأضرار التي تعرض لها الطفل ناتجة عن خطأ طبي أم لا. 

الحكم الذي أصدرته المحكمة يعكس أهمية مسؤولية الأطباء والمؤسسات الطبية تجاه المرضى. فالقرارات الطبية والعمليات الجراحية تحمل معها مخاطر قد تؤثر على حياة الأشخاص، ولهذا يجب أن تتم بكل دقة واحترافية 

المشكلة الصحية للطفل

قد أشار المدعي إلى أنه بعد مرور يومين من إجراء عملية الختان، اضطر إلى دخول الطفل إلى عيادة الحوادث بمستشفى الوصل حيث تم الكشف عليه. وأكد التقرير الطبي وجود مشكلات صحية ترتبط بعملية الختان وأثرت على الطفل

العقوبات الجنائية

بالإضافة إلى ذلك، أصدرت دائرة الصحة والخدمات الطبية قرارًا بمعاقبة الطبيبة المعنية والمجمع الطبي بسبب الخطأ الطبي الذي أدى إلى إصابة الطفل. وتمت إحالة الطبيبة إلى المحاكمة الجنائية وأصدرت المحكمة حكمًا بإدانتها وتغريمها 

وقد قرر الأب أن يطالب بتعويض مالي بقيمة ثلاثة ملايين درهم، ولكن المحكمة قضت بأن يدفع له المبلغ المطلوب بواقع مائة وخمسين ألف درهم فقط 

الاستئناف والطعن

بعد صدور الحكم، قام المدعي بالاستئناف ضد القرار، ولكن المحكمة الاستئنافية أيدت الحكم السابق. وقد قام المدعي بتقديم طعن في الحكم إلى محكمة التمييز بناءً على أسباب معينة. 

في محاولة للحصول على حقوقه وتعويض عادل، قدم المدعي طعنًا في الحكم إلى محكمة التمييز، حيث أوضح في صحيفته أنه تم إبلاغه بالحكم المطعون فيه وطلب من المحكمة نقض الحكم وزيادة مبلغ التعويض. 

من جهة أخرى، قدم المجمع الطبي، الذي تم الحكم ضده، طعنًا أيضًا في الحكم بناءً على أسبابه الخاصة. وقد أودع محامي المجمع مذكرة دفاع طلب فيها رفض الطعن. تقدمت كلا الطرفين بأسبابهما وأدلتهما أمام محكمة التمييز. وكانت المحكمة أمام قرار حاسم يتعلق بمصير الطفل والتعويض المالي الذي طلبه والده. امام محكمة التمييز، استند الطاعن إلى السبب الذي ينعى الحكم المطعون فيه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب. وقد أشار إلى أن علاقته كانت مباشرة مع الطبيبة المطعون ضدها دون تدخل من المجمع الطبي، مما ينفي صلة التبعية. وحيث إن القانون يلزم المتبوع بأداء التعويض الذي يحكم به على التابع إذا توافرت شروط معينة، منها علاقة التبعية ووقوع الأضرار من قبل التابع للغير في حالة تأدية وظيفته. ويتضح من الوقائع أن المحكمة اعتبرت أن هذه الشروط قد توافرت في القضية المعروضة أمامها 

الحكم النهائي

من الجدير بالذكر أن مسألة توافر عنصري التبعية من عدمها تعتبر من مسائل الواقع التي تقوم المحكمة بتقديرها بناءً على الأدلة والوقائع المقدمة. 

وفي تفصيل أكثر للطعن، اعتبر الطاعن أن الحكم المطعون فيه قام بالخطأ في تطبيق القانون والاستدلال. حيث أشار الطاعن إلى أن المطعون ضده الأول لم يستجب لطلب الطبيبة المطعون ضدها الثانية بإحضار الطفل المضرور للمتابعة وتغيير الضمادات والتنظيف. 

كما أكد الطاعن أن هناك عملية جراحية أُجريت بعد عملية الختان وأنها باءت بالفشل، مما يدل على وجود تداخلات جراحية لا علاقة لها بالمجمع الطبي الطاعن والطبيبة المطعون ضدها الثانية. 

وقد أشار الطاعن إلى أن تقرير التعويض كان مغالًا فيه، حيث أن تكلفة العملية الجراحية في أغلى المستشفيات لا تتجاوز 22,000 درهم. وأكد الطاعن على عدم وجود أساس للأضرار النفسية والمعنوية التي شملها التعويض. 

في مواصلة النظر في الطعن، قد اعتبر الطاعن أن الحكم الصادر في القضية الجنائية كان له حجية مطلقة ليس فقط بالنسبة إلى الخصوم ولكن أيضًا في حق الجميع. وقد أكد أن هذا الحكم يعتبر حجة على الناس جميعًا بسبب الضمانات المتعددة التي قررها المشرع في الدعاوى الجنائية، وذلك من أجل الوصول إلى الحقيقة فيها بالنظر إلى الارتباط بالأرواح والحريات ومصلحة المجتمع العليا. 

الطاعن أوضح أيضًا أن الحكم المطعون فيه قد استند إلى معلومات وأدلة من القضية الجنائية التي لم يكن الطاعن طرفًا فيها، وأكد أن هذا يعتبر خطأً قضائيًا يستوجب نقض الحكم. 

وفي تفصيل أدق للأمور التي عُرضت أمام محكمة التمييز، أكد الطاعن أن الحكم الصادر في الدعوى الجنائية يعتبر حجة على الناس جميعًا، وذلك بسبب الضمانات المتعددة التي قررها المشرع في الدعوى الجنائية والتي تهدف إلى الوصول إلى الحقيقة، خصوصًا وأنها ترتبط بالأرواح والحريات ومصلحة المجتمع العليا. 

وقد أكد الطاعن أن ما خلص إليه الحكم الجزائي في الجنحة رقم 10555/2000 بخطأ الطبيبة المطعون ضدها الثانية يعتبر حجة في الدعوى الماثلة، حتى وإن لم يكن المجمع الطبي طرفًا في الدعوى الجنائية. 

وأشار الطاعن إلى أن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب أي من الخصوم بإحالة الدعوى للتحقيق أو ندب خبير، طالما أنها وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها في الواقعة. وأوضح أنه يجب على الطبيب أو الجراح أن يقوم بواجبه بكل كفاءة ومهارة وأن يبذل درجة عالية من العناية والاهتمام. 

أوردت المحكمة في أسبابها أن الطفل، الذي تم إجراء عملية ختان له، كان قبل العملية يتبول بشكل طبيعي بدليل وجود الفتحة الأصلية لقناة البول. وأشارت المحكمة إلى أن عملية الختان تمت بدون أخذ الاحتياطات اللازمة، مما أدى إلى حدوث تلف بالفتحة الأصلية لقناة البول. 

تبعًا لذلك، استندت المحكمة إلى تقرير الطب الشرعي والذي أكد أن الإجراءات الطبية التي تمت للطفل كانت لها الأثر السلبي في حالته الصحية. وعليه، قررت المحكمة إلزام المجمع الطبي والطبيبة بدفع التعويض المالي للطاعن 

اراء الخبراء 

أشار أحمد صابر، رئيس قسم التقاضي، إلى أهمية هذا الحكم ودوره في تحديد مسؤولية الأطباء في عمليات الختان. وقال: "إن هذا الحكم يسلط الضوء على مسؤولية الأطباء والمؤسسات الطبية في تقديم الرعاية الصحية بكل دقة واحترافية. يجب أن نكون حذرين ومنتبهين دائمًا لضمان سلامة المرضى."

ندى الماوى - رئيس قسم الاستشارات من ناحيتها، أبدت ندى الماوى، رئيس قسم الاستشارات، استحسانها للقرار الصادر عن محكمة التمييز. وقالت: "إن هذا الحكم يعكس التزام المحكمة بحماية حقوق المواطنين وتحقيق العدالة. يجب أن يكون لدينا نهج متعدد الأطراف للتأكد من توفير الرعاية الصحية الجيدة للمرضى وتجنب حوادث طبية غير مرغوب فيها.

ختامًا

مع ذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار أن القرارات القضائية تعكس الوضع القانوني والأدلة المقدمة أمام المحكمة. وتبقى مسؤولية الأطباء والمؤسسات الطبية في تقديم الرعاية الصحية للمرضى موضوعًا حساسًا ومهمًا يجب التعامل معه بكل حذر واحترافية. 

وفي الختام، يعكس هذا الحكم أهمية الدور الذي تلعبه المحاكم في توفير العدالة وحماية حقوق المواطنين، وكذلك في تأكيد مسؤوليات الأطباء والمؤسسات الطبية تجاه المرض